حارسة القرآن | حفصة بنت عمر
حارسة القرآن؛ كانت رابع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، عُرفت بالصوامة القوامة، ونزل في أمرها قرآن يُتلى إلى يوم القيامة، كانت شديدة الحب لرسول الله، وكثيرة الغيرة عليه حتى من زوجاته، آمنت بالله ورسوله وكانت من السابقين للإسلام، هاجرت بدينها تاركة بلدها وكل ما تملك؛ من أجل نصرة الدين.
عُرف عنها زهدها وتقواها، وكثرة صلاتها وصيامها، كما أنها ابنة الخليفة الثاني للمسلمين، إنها أم المؤمنين “حفصة بنت عمر بن الخطاب” زوجة رسول الله الرابعة بعد السيدة خديجة، والسيدة سودة، والسيدة عائشة، وكان لها دور كبير في رواية عدد لا بأس به من الأحاديث عن رسول الله.
في هذا المقال من مجلة “زهرة” سنذكر قصة حياة أم المؤمنين حارسة القرآن “حفصة” وكيف تزوجت من رسول الله، وأهم المواقف التي مرت بها في حياتها، وحتى وفاتها رضى الله عنها.
نسب ونشأة حارسة القرآن حفصة بنت عمر
هي حارسة القرآن حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله العدوي القرشي، ووالدتها هي زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح القرشية الجمحية، شقيقة الصحابي “عثمان بن مظعون”.
وُلدت “حفصة” في مكة، وكان ذلك قبل بعثة رسول الله بخمس سنوات، وهي أكبر أبناء أبيها أمير المؤمنين عمر سنًا، لها ما يقرب من حوالي ثلاثة عشر أخًا من والدها، منهم اثنان أشقاء من الذكور، هم “عبد الله، وعبد الرحمن الأكبر”، وتربت في بيت يتميز بالرفعة والشرف بين أهل مكة.
الدخول في الإسلام وزواجها
الرأي الراجح في إسلامها أنها قد دخلت في الإسلام عندما أسلم والدها، وكان ذلك في شهر ذي الحجة، من السنة الخامسة من البعثة، وكانت تبلغ من العمر حينها فقط عشر سنوات.
وصلت حارسة القرآن “حفصة” إلى سن الزواج، وحينها تقدم للزواج منها الصحابي ” خُنَيْس بن حذافة بن عدي السهمي”، وقد كان من السابقين إلى الإسلام، وقد هاجر زوجها منفردًا إلى الحبشة، وعاد إلى مكة، وبعدها قد هاجرا سويًا إلى المدينة المنورة.
عاشت “حفصة” مع زوجها في المدينة في هدوء وسعادة، وقد شارك زوجها في غزوة بدر وعاد منتصرًا، ثم لما كان غزوة أحد شارك فيها أيضًا لكنه قد أصيب فيها، وتوفى في المدينة متأثرًا بإصابته تلك، وقد دُفن في البقيع، ولم يكن قد أنجب من السيدة حفصة.
زواج حارسة القرآن من رسول الله
عقب وفاة زوجها، حزن سيدنا عمر لما أصاب ابنته، وأراد حينها أن يزوجها من الصحابي عثمان بن عفان بعد وفاة زوجته رقية، لكنه أخبره حينها أنه لا حاجة له في النساء، فعرض الأمر بعدها على أبي بكر، فصمت ولم يرد عليه، حينها حزن سيدنا عمر، وكان يقول: فكنت عليه أوجد مني على عثمان.
وبعد عدة ليالي، خطبها رسول الله إلى نفسه، فوافق على الفور، وبعدها قابل أبي بكر وأخبره قائلًا: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك، قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله قد ذكرها، ولم أكن لأفشي سر رسول الله، ولو تركها لقبلتها.
وقد أصدق رسول الله حفصة حين تزوجها صداقًا قدره 400 درهم، وكان مهرها بساطًا ووسادتين وكساءً، وكانت حفصة بعد زواجها من رسول الله شديدة الغيرة عليه من زوجاته، ومما يروى عن غيرتها، أنها كانت تغار من أم المؤمنين صفية، وقد بلغ السيدة صفية يومًا أن السيدة حفصة قالت في حقها “صفية بنت يهودي”، فحزنت السيدة صفية أشد الحزن، واشتكت لرسول الله، فقال لها: إنك لابنة نبي، وإن عمك نبي، وإنكِ لتحت نبي، ففيم تفخر عليكِ؟، وقال بعدها للسيدة حفصة: اتقِ الله يا حفصة.
نزول القرآن في السيدة حفصة وزوجات النبي
الموقف الأول الذي كان سببًا في نزول القرآن في أم المؤمنين حارسة القرآن حفصة، أنه في ذات يوم ذهبت نساء النبي إليه يشتكين ضيق النفقة، وكان على رأسهن “حفصة بنت عمر”، فأنزل الله عز وجل حينها “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا”.
أما الموقف الثاني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرها بسرٍ ما، فأفشته سريعًا إلى السيدة عائشة، وأصل هذا الموقف على الأرجح يرجع إلى أن رسول الله قد أصاب جاريته مارية القبطية في غرفة حفصة، فغضبت وقالت: يا رسول الله لقد جئت إلي بشيء ما جئته إلى أحد من أزواجك، في يومي وفي دوري وعلى فراشي، فقال لها: ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها أبدًا؟، فقالت: بلى، فحرمها رسول الله على نفسه، وقال لها: لا تذكري ذلك لأحد، لكنها أخبرت السيدة عائشة بما حدث.
ولذلك نزل قول الله تعالى:”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ”.
وبعد هذا الموقف، أراد رسول الله أن يُطلق حفصة، لكنه رجع عن ذلك؛ إذ أتاه جبريل عليه السلام وقال له: لا تطلقها؛ فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة، وقد ورد أيضًا أن رسول الله قد طلقها بالفعل، ثم راجعها بعدها؛ لأن جبريل عليه السلام قد أخبره بأن “راجع حفصة”.
روايتها للحديث
روت حارسة القرآن السيدة حفصة عن رسول الله العديد من الأحاديث، قيل إنها قد بلغت ستين حديثًا، وقد روى عنها نفر من الصحابة والتابعين، من أشهرهم “أخيها عبد الله بن عمر، شتير بن شكل، عبد الله بن صفوان الجمحي، حارثة بن وهب، وصفية بنت أبي عبيد”.
حياتها بعد وفاة رسول الله
عقب وفاة رسول الله، لزمت أم المؤمنين حارسة القرآن حفصة بينها ولم تخرج منه أبدًا، وقد لُقبت بحارسة القرآن؛ كونها قد حفظت نسخة القرآن التي جُمعت في عهد أبي بكر، وظلت مع عمر، وبعد وفاته حُفظت عند أم المؤمنين حفصة، حتى أخذها أمير المؤمنين عثمان؛ لنسخها عدة نسخ، ويرسلها إلى الأمصار المختلفة.
وفاة أم المؤمنين حفصة بنت عمر
توفيت أم المؤمنين حارسة القرآن حفصة في مدينة رسول الله، وكان ذلك في شهر جمادى الأولى، عام 41 من الهجرة، وكانت تبلغ من العمر حينها 60 عامًا، وقد صلى عليها “مروان بن الحكم”، ودُفنت في البقيع.
تابعونا على صفحة الفيسبوك من خلال الضغط هنا…